فصل: سنة إحدى وثلاثين وثلاثمئة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: العبر في خبر من غبر (نسخة منقحة)



.سنة خمس وعشرين وثلاثمئة:

فيها أشار محمد بن رائق على الراضي بالله، بأن ينحدر معه إلى واسط، ففعل. ولم يمكنه المخالفة، فدخلها يوم عاشر المحرم، وكانت الحجّاب أربعمئة وثمانين نفساً، فقرر ستين، وأسقط عامّتهم، وقلّل أرزاق الحشم، فخرجوا عليه وعسكروا، فالتقاهم ابن رائق، فهزموا وضعفوا، وتمزقت السّاجيّة والحجرية، فأشار حينئذٍ على الراضي، بالتقدّم إلى الأهواز، وبها أبو عبد الله البريدي ناظرها، وكان شهماً مهيباً حازماً، فتسحّب إليه خلق من المماليك والجند، فأكرمهم وأنفق فيهم الأموال، ومنع الخراج، ولم يبق بيد الراضي، غير بغداد والسَّواد، يحكم عليه ثم رجع إلى بغداد ووقعت الوحشة بين ابن رائق وأبي عبد الله البريدي الكاتب، وجاء القرمطي، فدخل الكوفة، فعاث ورجع، وأذن ابن رائق للراضي، أن يستوزر أبا الفتح الفضل بن الفرات، فطلبه من الشام، وولاه. والتقى أصحاب ابن رائق، وأصحاب ابن البريدي غير مرّة، وينهزم أصحاب ابن رائق، وجرت لهم أمور طويلة، ثم إن البريدي، دخل إلى فارس، فأجاره عليّ بن بويه، وجهّز معه أخاه أحمد، لفتح الأهواز، ودام أهل البصرة على عصيان ابن رائق لظلمه، فحلف إن ظفر بها يجعلها رماداً، فجدُّوا في مخالفته، وقلَّت الأموال على محمد بن رائق، فساق إلى دمشق، وزعم أن الخليفة ولاه إياه، ولم يجسر أحد أن يحج خوفاً من القرمطي.
وفيها توفي وكيل أبي صخرة، أبو بكر بن عبد الله البغدادي النحاس، وقد قارب التسعين، روى عن عمرو بن علي الفلاس وجماعة.
وفيه أبو حامد الحافظ بن الشَّرقي، المؤرخ المصنف، أحمد بن محمد ابن الحسن، تلميذ مسلم، روى عن عبد الرحمن بن بشر وطبقته.
قال إمام الأئمة ابن خزيمة: حياة أبي حامد، تحجز بين الناس، وبين الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم. توفي في رمضان، عن خمس وثمانين سنة.
وفيها إبراهيم بن عبد الصمد بن موسى بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس الأمير أبو إسحاق الهاشمي، في المحرم، وهو آخر من روى الموطّأ، عن أبي مصعب.
وفيها أبو العباس الدَّغولي، محمد بن عبد الرحمن، الحافظ الفقيه، روى عن عبد الرحمن بن بشر بن الحكم ومحمد بن إسماعيل الأحمسي وطبقتهما، وكان من كبار الحفاظ.
وفيها علي بن عبدان، أبو حامد التميمي النيسابوري، الثقة الحجة، روى عن عبد الله بن هاشم، والذُّهلي وطائفة، ولم يرحل.
وفيها أبو مزاحم الخاقاني، موسى بن الوزير عبيد الله بن يحيى بن خاقان البغدادي، المقرئ المحدث السني، أخذ عن أبي بكر المروزي، وعباس الدُّوري، وطائفة. ومات في آخر السنة.

.سنة ست وعشرين وثلاثمئة:

فيها أقبل البريدي في مدد من ابن بويه، فانهزم من بين يديه بجكم، لأن الأمطار عطلت نشاب جنده وقسّهم، وتقهقروا إلى واسط، وتمت فصول طويلة.
وأما ابن رائق، فانه وقع بينه وبين ابن مقلة، وأخذ ابن مقلة يراوغ ويكاتب، فقبض عليه الراضي بالله وقطع يده، ثم بعد أيام، قطع محمد بن رائق لسانه، لكونه كاتب بجكم، فأقبل بجكم بجيوشه من واسط، وضعف عنه ابن رائق، فاختفى ببغداد ودخل بجكم، فأكرمه الراضي، ولقبه أمير الأمراء، وولاه الحضرة.
وفيها توفي أبو ذر، أحمد بن محمد بن محمد بن سليمان بن الباغندي.
روى عن عمر بن شبة، وعلي بن إشكاب، وطائفة.
وفيها عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن الحجاج، أبو محمد الرشيدي المهري المصري الناسخ، عن سنّ عالية، روى عن أبي طاهر بن السَّرح، وسلمة بن شبيب.
وفيها محمد بن القاسم، أبو عبد الله المحاربي الكوفي. روى عن أبي كريب وجماعة. وفيه ضعف.

.سنة سبع وعشرين وثلاثمئة:

فيها سار الراضي وبجكم، لمحاربة ناصر الدولة ابن حمدان، فتخلّف الخليفة بتكريت، والتقى ابن حمدان وبجكم فهزمه بجكم وساق وراءه إلى نصيبين، وهرب ابن حمدان إلى آمد، ودخل الراضي بالله الموصل، فتسحّب طائفة إلى بغداد مغاضبين، وظهر ابن رائق، فانضم إليه ألف نفس، ثم راسله الخليفة، وولاه حلب، فسار إليها، وأعدم عبد الصمد بن المكتفي بالله، لكونه راسل ابن رائق عند ظهوره، أن يبايعه.
وفيها ظاهر بجكم، ناصر الدولة ابن حمدان.
وفيها استوزر الراضي أبا عبد الله البريدي، وحجّ الركب، وأخذ القرمطي على الجمل، خمسة دنانير.
وفيها توفي عبد الرحمن بن أبي حاتم محمد بن إدريس بن المنذر الحافظ العلم أبو محمد الحافظ العلم الجامع التميمي الرازي بالريّ، وقد قارب التسعين.
رحل به أبوه في سنة خمس وخمسين ومئتين، فسمع أبا سعيد الأشجّ، والحسن ابن عرفة وطبقتهما.
قال أبو يعلى الخليلي: أخذ علم أبيه وأبي زرعة، وكان بحراً في العلوم ومعرفة الرجال، صنّف في الفقه، واختلاف الصحابة والتابعين وعلماء الأمصار، ثم قال: وكان زاهداً يعدّ من الأبدال.
وفيها أبو الفتح الفضل بن جعفر بن محمد بن الفرات الوزير ابن حنزابة الكاتب، وزر للمقتدر في آخر أيامه، ثم وزر للراضي بالله، رأى لنفسه التروح خوفاً من فتنة ابن رائق، فأطعمه في تحصيل الأموال في الشام ليمده لها، فشخص إليها، فتوفي بالرَّملة كهلاً.
وفيها محدّث حلب الحافظ أبو بكر محمد بن بركة القنَّسريني برداغس روى عن أحمد بن شيبان الرَّملي، وأبي أمية الطَّرسوسي وطبقتهما.
قال أبو أحمد الحاكم: رأيته حسن الحفظ.
وفيها أبو بكر محمد بن جعفر الخرائطي السَّامري، مصنف مكارم الأخلاق ومساوئ الأخلاق، وغير ذلك. سمع الحسن بن عرفة، وعمر بن شبَّة وطبقتهما، توفي بفلسطين، في ربيع الأول، وقد قارب التسعين.
وفيها محدث الأندلس، الحافظ محمد بن قاسم بن محمد بن قاسم بن محمد الأموي مولاهم القرطبي. أكثر عن أبيه، وبقيّ بن مخلد، ورحل بأخرة، فسمع من مطيِّن، والنسائي وطبقتهما فأكثر، توفي في آخر العام.
وفيها مبرمان النحوي، مصنف شرح سيبويه؛ وما أتمّه، وهو أبو بكر محمد بن علي العسكري، أخذ عن المبرّد، وتصدّر بالأهواز، وكان مهيباً، يأخذ من الطلبة، ويلح ويطلب حمال طبليَّة، فيحمل إلى داره من غير عجز، وربما انبسط وبال على الحمال، ويتنقل بالتمر، ويحذف بنواه الناس.

.سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة:

فيها التقى سيف الدولة بن حمدان الدُّمشقي لعنه الله وهزمه.
وفيها عزل البريدي من الوزارة، بسليمان بن مخلد بإشارة بجكم.
وفيها استولى الأمير محمد بن رائق على الشام، فالتقاه الإخشيد محمد ابن طغج فانكسر ابن رائق ووصل إلى دمشق في سبعين فارساً، ثم التقى أبا نصر بن طغج فانهزم أبو نصر، وأسر كبار أمرائه، ثم قتل أبو نصر في المصاف.
وفيها توفي الوزير أحمد بن عبيد الله بن أحمد بن الخصيب أبو العباس الخصيبي، وقد وزر غير مرّة بالعراق.
وفيها الوزير أبو علي محمد بن علي بن حسن بن مقلة الكاتب، صاحب الخط المنسوب، وقد وزر للخلفاء غير مرّة، ثم قطعت يده ولسانه، وسجن حتى هلك، وله ستون سنة.
وفيها أبو عبد الله أحمد بن علي بن العلاء الجوزجاني ببغداد، وله ثلاث وتسعون سنة، وكان ثقة صالحاً بكّاءً، روى عن أحمد بن المقدام العجلي، وجماعة.
وفيها محدث دمشق، أبو الدَّحداح أحمد بن محمد بن إسماعيل التميمي، سمع موسى بن عامر، ومحمد بن هاشم البعلبكّي وطائفة.
قال الخطيب: كان مليّا بحديث الوليد بن مسلم.
وفيها أبو عمرو أحمد بن محمد بن عبد ربّه الأموي مولاهم الأندلسي، الأديب الأخباري العلامة، مصنّف العقد، وله اثنتان وثمانون سنة، وشعره في الذّروة العليا، سمع من بقيّ بن مخلد، ومحمد بن وضّاح.
وفيها العلامة أبو سعيد الاصطخري، الحسن بن أحمد بن يزيد، شيخ الشافعية بالعراق، روى عن سعدان بن نصر وطبقته، وصنّف التصانيف، وعاش نيِّفاً وثمانين سنة، وكان موصوفاً بالزهد والقناعة، وله وجه في المذهب.
وفيها الحسين بن محمد، أبو عبد الله بن المطبقي، بغدادي ثقة.
روى عن محمد بن منصور الطوسي وطائفة.
وفيها أبو محمد بن الشَّرقي، عبد الله بن محمد بن الحسن، أخو الحافظ أبي حامد، وله اثنتان وتسعون سنة. سمع عبد الرحمن بن بشر، وعبد الله بن هاشم وخلقاً.
قال الحاكم: رأيته وكان أوحد وقته في معرفة الطب، لم يدع الشراب إلى أن مات فضعف بذلك.
وفيها قاضي القضاة ببغداد، أبو الحسين عمر، بن قاضي القضاة أبي عمر محمد بن يوسف بن يعقوب الأزدي، وكان بارعاً في مذهب مالك، عارفاً بالحديث، صنّف مسنداً متقناً، وسمع من جدّه ولم يتكهل، وكان من أذكياء الفقهاء.
وفيها أبو الحسن محمد بن أحمد بن أيوب بن الصَّلت ابن شنَّبوذ المقرئ، أحمد أئمة الأداء، قرأ على محمد بن يحيى الكسائي الصغير، وإسماعيل بن عبد الله النحّاس، وطائفة كثيرة. وعني بالقراءات أتم عناية، وروى الحديث عن عبد الرحمن بن محمد بن منصور الحارثي، ومحمد بن الحسين الحنيني، وتصدّر ببغداد، وقد امتحن في سنة ثلاث وعشرين كما مرّ، وكان مجتهداً فيما فعل، رحمه الله.
وفيها محدّث الشام، أبو العباس محمد بن جعفر بن محمد بن هشام بن ملاس النُّميري مولاهم الدمشقي، في جمادى الأولى، روى عن موسى بن عامر، وأبي إسحاق الجوزجاني وخلق، وهو من بيت حديث.
وفيها أبو علي الثَّقفي، محمد بن عبد الوهاب النيسابوري الفقيه الواعظ، أحد الأئمة، وله أربع وثمانون سنة، سمع في كبره من موسى بن نصر الرازي، وأحمد بن ملاعب وطبقتهما. وكان له جنازة لم يعهد مثلها، وهو من ذرية الحجّاج.
قال أبو الوليد الفقيه: دخلت على ابن سريج، فسألني: على من درست الفقه؟ قلت: على أبي علي الثَّقفي، قال: لعلك تعني الحجّاجي الأزرق، قلت: نعم. قال: ما جاءنا من خراسان أفقه منه.
وقال أبو بكر الضبَّعي: ما عرفنا الجدل والنَّظر، حتى ورد أبو عليّ الثَّقفي من العراق. وذكره السُّلمي في طبقات الصوفية.
وفيها أبو بكر الأنباري، أبو بكر محمد بن القاسم بن محمد بشّار النحوي اللغوي العلامة، صاحب المصنّفات، وله سبع وخمسون سنة. سمع في صغره من الكديمي، وإسماعيل القاضي، وأخذ عن أبيه، وثعلب وطائفة.
قال أبو علي القالي: كان شيخنا أبو بكر، يحفظ فيما قيل ثلاثمئة ألف بيت شاهد في القرآن. وقال محمد بن جعفر التميمي: ما رأينا أحفظ من ابن الأنباري، ولا أغزر بحراً، حدثوني عنه أنه قال: أحفظ ثلاثة عشر صندوقاً. قال: وحدّثت عنه أنه كان يحفظ مائة وعشرين تفسيراً بأسانيدها وقيل إنه أملى غريب الحديث في خمسة وأربعين ألف ورقة.
وفيها الأستاذ أبو الحسن المزيّن، شيخ الصوفية، صحب الجنيد، وسهل بن عبد الله، وجاور بمكة.
وفيها أبو محمد المرتعش عبد الله بن محمد النَّيسابوري الزاهد، أحد مشايخ العراق، صحبه الجنيد وغيره، وكان يقال: إشارات الشبلي ونكت المرتعش وحكايات الخلديّ.

.سنة تسع وعشرين وثلاثمئة:

في ربيع الأول استخلف المتقي لله، فاستوزر أبا الحسين أحمد بن محمد بن ميمون، فقدم أبو عبد الله البريدي من البصرة وطلب الوزارة، فأجابه المتَّقي وولاَّه، ومشى إلى بابه ابن ميمون، وكانت وزارة ابن ميمون شهراً، فقامت الجند على أبي عبد الله يطلبون أرزاقهم، فخافهم وهرب بعد أيام، ووزّر بعده أبو إسحاق محمد أحمد لقراريطي ثم عزل الكرخي، بعد ثلاثة وخمسين يوماً فلم ير أقرب من مدة هؤلاء، وهزلت الوزارة وضؤلت، لضعف الدولة، وصغر الدائرة. وأما بجكم، فنزل واسطاً، وقرر مع الخليفة، أنه يحمل إليه في العام ثمانمئة ألف دينار، وعدل وتصدق، وكان ذا أموال عظيمة، ونفس عصيبة، خرج يتصيّد، فأساء إلى أكراد هناك، فاستفرد به عبد أسود، فطعنه برمح فقتله في رجب، وفر معظم جنده إلى البريدي، وأخذ المتقي من داره ببغداد، ما يزيد على ألفي ألف دينار، وقلَّد المتقي إمرة الجيش كورتكين الدَّيلمي، وجرت أمور، ثم استدعى المتّقي محمد بن رائق، فسار من دمشق، واستناب بها أميراً، ووصل إلى بغداد، وخطب ابن البريديّ له بواسط والبصرة، فالتقى ابن رائق وكورتكين على بغداد غير مرة، ثم خذل كورتكين واختفى، وأسرت أمراؤه، وضربت أعناقهم، وتمكّن ابن رائق.
وفيها توفي البريهاري، أبو محمد الحسن بن علي، الفقيه القدوة شيخ الحنابلة بالعراق، قالاً وحالاً وحلالاً، وكان له صيت عظيمٍ، وحرمة تامة، أخذ عن المروزيّ، وصحب سهل بن عبد الله التستري، وصنّف التصانيف، وكان المخالفون، يغلّظون قلب الدولة عليه، فقبض على جماعة من أصحابه واستتر هو في سنة إحدى وعشرين، ثم تغيّرت الدولة، وزادت حرمة البربهاري، ثم سعت المبتدعة به، فنودي بأمر الراضي بالله في بغداد، لا يجتمع اثنان من أصحاب البربهاري، فاختفى إلى أن مات في رجب رحمه الله.
وفيها القاضي أبو محمد عبد الله بن أحمد بن زبر الرَّبعي البغدادي، وله بضع وسبعون سنة، سمع عباساً الدُّوري وطبقته، وولي قضاء مصر ثلاث مرات، آخرها في ربيع الأول من هذا العام، فتوفي بعد شهر، ضعَّفه غير واحدٍ في الحديث، وله عدة تصانيف.
وفيها الحامض، وهو المحدّث أبو القاسم عبد الله بن محمد بن إسحاق المروزي ثم البغدادي. روي عن سعدان بن نصر وطائفة.
وفيها أبو نصر محمد بن حمدويه المروزي القارئ المطَّوِّعي، روى عن أبي داود السِّنجي، ومحمود بن آدم وطائفة. قال الدارقطني ثقة حافظ.
وفيها أبو الفضل البلعمي، الوزير محمد بن عبيد الله، أحد رجال الدهر عقلاً ورأياً وبلاغة. روى عن الإمام محمد بن نصر المروزي وغيره، وصنف كتاب تلقيح البلاغة. وكتاب المقالات.
وفيها توفي الراضي بالله، أبو إسحاق محمد، وقيل أحمد، بن المقتدر بالله جعفر بن المعتضد بالله احمد بن أبي احمد بن المتوكل على الله العباس، ولد سنة سبع وتسعين ومائتين، من جارية رومية اسمها ظلوم، كان قصيراً، أسمر نحيفاً، في وجهه طول، واستخلف سنة اثنتين وعشرين وثلاثمئة، وهو آخر خليفة له شعر مدوّن، وآخر خليفة انفرد بتدبير الجيوش وإلى خلافة المقتفي، وآخر خليفة خطب يوم الجمعة، إلى خلافة الحاكم العباسي، فإنه خطب أيضاً مرتين، وآخر خليفة جالس النُّدماء، ولكنه كان مقهوراً مع أمرائه، مرض في ربيع الأول بمرض دموي ومات، وكان سمحاً كريماً، محباً للعلماء والأدباء، سمع الحديث من البغويّ،
وتوفي في نصف ربيع الآخر، وله إحدى وثلاثون سنة ونصف.
وفيها يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن بهلول، أبو بكر التَّنوخي الأنباري الأزرق الكاتب، في آخر السنة ببغداد، وله نيّف وتسعون سنة.
روى عن جدّه، والحسن بن عرفة وطائفة.

.سنة ثلاثين وثلاثمئة:

فيها الغلاء المفرط والوباء ببغداد، وبلغ الكرُّ مئتين وعشرة دنانير، وأكلوا الجيف.
وفيها وصلت الروم، فأغارت على أعمال حلب، وبدعوا وسبوا عشرة آلاف نسمة.
وفيها أقبل أبو الحسين علي بن محمد البريدي في الجيوش، فالتقاه المتقي وابن رائق فكسرهما، ودخلت طائفة من الدَّيلم دار الخلافة، فقتلوا جماعة، وهرب المتَّقي وابنه وابن رائق إلى الموصل، واختفي وزيره أبو إسحاق القراريطي، ووجدوا في الحبس كورتكين. وكان قد عثر عليه ابن رائق فسجنه، فأهلكه البريدي ووقع النهب في بغداد، واشتدّ القحط، حتى بلغ الكرُّ، ثلاثمئة وستة عشر ديناراً، وهذا شيء لم يعهد بالعراق، وألحّ أبو الحسين البريدي في المصادرة، ونزح الناس وهجّوا، ثم عم البلاء بزيادة دجلة، فبلغت عشرين ذراعاً، وغرق الخلق، ثم خامر توزون، وذهب إلى الموصل.
وأما ناصر الدولة ابن حمدان، فإنه جاءه محمد بن رائق إلى خميته، فوضع رجله في الركاب، فشبّ به الفرس، فوقع فصاح ابن حمدان لا يفوتنكم فقتلوه، ثم دفن وعفي قبره، وجاء ابن حمدان إلى المتّقي فقلّده مكان ابن رائق، ولقّبه ناصر الدَّولة، ولقَّب أخاه عليّاً، سيف الدَّولة، وعاد وهما معه، فهرب البريديّ من بغداد، وكان مدة استيلائه عليها ثلاثة أشهر وعشرين يوماً، ثم تهيّأ البريديّ، وعاد فالتقاه سيف الدولة بقرب المدائن، ودام القتال يومين، فكانت الهزيمة أوّلاً على بني حمدان والأتراك، ثم كانت على البريدي، وقتل جماعة من أمراء الدَّيلم، وأسر آخرون، وردَّ إلى واسط بأسوأ حال، وساق وراءه سيف الدَّولة، ففرّ إلى البصرة.
وفيها توفي في رجب بمصر، أبو بكر محمد بن عبد الله الصيَّرفي الشافعي، له مصنّفات في المذهب، وهو صاحب وجه. روى عن أحمد بن منصور الرَّمادي.
وفيها أبو حامد، أحمد بن محمد بن يحيى بن بلال النَّيسابوري، روى عن الذُّهلي، والحسن الزَّعفراني وطبقتهما، بخراسان والعراق ومصر.
وفيها أبو يعقوب النَّهرجوري، شيخ الصوفية، إسحاق بن محمد، صحب الجنيد وغيره، وجاور مدة، وكان من كبار العارفين.
وفيها تبوك بن أحمد بن تبوك السُّلمي بدمشق، روى عن هشام بن عمّار.
وفيها المحاملي، القاضي أبو عبد الله الحسين بن إسماعيل الضبَّي البغدادي، في ربيع الآخر، وله خمس وتسعون سنة، وأول سماعه في سنة أربع وأربعين، من أبي هشام الرفاعي، وأقدم شيخ له، أحمد بن إسماعيل السَّهمي صاحب مالك. قال أبو بكر الداوودي: كان يحضر مجلس المحاملي عشرة آلاف رجل.
وفيها قاضي دمشق، أبو يحيى زكريا بن أحمد بن يحيى بن موسى ختّ البلخي الشافعي، وهو صاحب وجه. روى عن أبي حاتم الرازي وطائفة، ومن غرائب وجوهه: إذا شرط في القراض، أن يعمل مع رب المال العامل جاز.
وفيها عبد الغافر بن سلامة، أبو هاشم الحمصي بالبصرة، وله بضع وتسعون سنة. روى عن كثير بن عبيد وطائفة.
وفيها عبد الله بن يونس القبري الأندلسي، صاحب بقيّ بن نخلد، وكان كثير الحديث مقبولاً.
وفيها عبد الملك بن أحمد بن أبي حمزة البغدادي الزيات، روى عن الحسن بن عرفة وجماعة، وهو من كبار شيوخ ابن جميع.
وفيها الحافظ أبو الحسن علي بن محمد بن عبيد، أبو الحسن البغدادي البزّار، روى عن عباس الدُّوري وطبقته، وعاش ثمانيا وسبعين سنة.
وفيها محمد بن عبد الملك بن أيمن القرطبي، أبو عبد الله الحافظ، وله ثمان وسبعون سنة أيضاً، رحل إلى العراق سنة أربع وسبعين، وسمع من محمد بن إسماعيل الصائغ، ومحمد بن الجهم السمَّري وطبقتهما، وألّف كتاباً على سنن أبي داود، وكان بصيراً بمذهب مالك.
وفيها محمد بن عمر بن حفص الجزرجيري بأصبهان، سمع إسحاق بن الفيض، ومسعود بن يزيد القطّان وطبقتهما.
وفيها محمد بن يوسف بن بشر أبو عبد الله الهروي الحافظ، من أعيان الشافعية، والرحّالين في الحديث، سمع الربيع بن سليمان، والعباس ابن الوليد البيروتي وطبقتهما، وعاش مائة سنة.
وفيها الزاهد العابد، أبو صالح المسجد المشهور بظاهر باب شرقي، ويقال اسمه مفلح. وكان من الصوفية العارفين.

.سنة إحدى وثلاثين وثلاثمئة:

فيها قلّل ناصر الدَّولة بن حمدان، رواتب المتقي، وأخذ ضياعه، وصادر العمّال، فكرهه الناس، وزوّج بنته بابن المتقي، على مائتي ألف دينار، وهاجت الأمراء بواسط على سيف الدَّولة، فهرب. وسار أخوه ناصر الدولة إلى الموصل، فنهب داره، وأقبل توزون، فدخل بغداد،، فولاه المتقي إمرة الأمراء، فلم يلبث أن وقعت بينهما الوحشة، فرجع توزون إلى واسط، ونزح خلق من بغداد من تتابع الفتن والخوف، إلى الشام ومصر، وبعث المتقي خلعاً إلى أحمد بن بويه، فسرّ بها.
وفيها توفي أبو روق الهزَّاني، أحمد بن محمد بن بكر، بالبصرة وقيل بعدها وله بضع وتسعون سنة.
وفيها بكر بن أحمد بن حفص التّنِّيسي الشَّعراني، روى عن يونس بن عبد الأعلى وطبقته، بمصر والشام.
وفيها حبشون بن موسى، أبو نصر الخلال، ببغداد في شعبان، ووله ستّ وتسعون سنة، روى عن الحسن بن عرفة وعلي بن إشكاب.
وفيها أبو علي حسن بن سعد بن إدريس الحافظ الكتامي القرطبي، سمع من بقيّ بن مخلد مسنده، وبمصر من أبي يزيد القراطيسي، وباليمن من إسحاق الدَّبري، وبمكة وبغداد. وكان فقيهاً مفتياً صالحاً، عاش ثلاثاً وثمانين سنة.
قال ابن الفرضي: لم يكن بالضابط جداً.
وفيها أبو بكر محمد بن أحمد بن يعقوب بن شيبة السَّدوسي ببغداد في ربيع الآخر، سمع من جدّه مسند العشرة، ومسند العباس وهو ابن سبع سنين، وسمع من الرَّمادي وأناس، وثّقة الخطيب.
وفيها أبو بكر محمد بن إسماعيل الفرغاني الصُّوفي، أستاذ أبي بكر الرَّقِّي، وكان من العابدين، وله بزّة حسنة، ومعه مفتاح منقوش، يصلّي ويضعه بين يديه، كأنه تاجر، وليس له بيت، بل ينطرح في المسجد، ويطوي أياماً.
وفيها الزاهد أبو محمود عبد الله بن محمد بن منازل النَّيسابوري المجرد على الصحة والحقيقة، صحب حمدون القصَّار، وحدث بالمسند الصحيح عن أحمد بن سلمة النَّيسابوري، وكان له كلام رفيع في الإخلاص والمعرفة.
وفيها أبو الحسن علي بن محمد بن سهل الدَّينوري الصائغ الزاهد، أحد المشايخ الكبار، بمصر في رجب، وما أحلى كلامه: من أيقن أنه كغيره، فما له أن يبخل بنفسه. وكان صاحب أحوال ومواعظ.
وفيها محمد بن مخلد العطار، أبو عبد الله الدُّوري الحافظ، ببغداد، سمع يعقوب الدَّورقي، وأحمد بن إسماعيل السَّهمي وخلائق، وكان ذا صدق وصلاح، وله تصانيف، توفي في جمادى الآخرة، وله سبع وتسعون سنة.
وفيها صاحب ما وراء النهر أبو الحسن الملك نصر بن أحمد بن إسماعيل السّاماني، في المملكة بعد أبيه وثلاثين يوماً بعد أبيه وولي بعده ابنه نوح.
وفيها هنَّاد بن السَّريّ بن يحيى الكوفي الصغير، روى عن أبي سعيد الأشجّ وجماعة.
وفيها الجصّاص، أبو يوسف يعقوب بن عبد الرحمن بن أحمد البغدادي الدّعَّاء روى عن أحمد بن إسماعيل السَّهمي، وعليّ بن إشكاب وجماعة، وله أوهام وغلطات.